حكاوى صباحية


الحصر الاخير الذي تم للباحثين عن عمل أوضح حقائق كثيرة ، ففئة الباحثين عن عمل تتركز في الاعمار 18-29 سنة ، بنسبة 77% . والمثير ان نسبة 88% من الباحثين عن عمل يتركزون في اصحاب دبلوم الثانوية ومادونه. أما الباحثين عن عمل لأول مرة ، فعددهم 19500 ، والحاصلون منهم على مؤهلات أعلى من دبلوم الثانوية 377  فقط.

أرقام مثيرة تدل دلالة واضحة ان المشكلة الاساسية تركزت فيمن لديهم مؤهل دبلوم ثانوية وأقل ، فقد بلغت نسبهم 77% . نسبة جدا عالية تعطينا قراءة حول ان عدم توفير مقاعد جامعية كافية في السنوات الماضية صنع مشكلة أصحاب مؤهلات دبلوم الثانوية الذين لم تستطع سوق العمل الخاص استيعابهم رغم كل المحاولات الجادة والحثيثة من الدولة . ورافق ذلك عدم استقرار الكثير منهم في القطاع الخاص بسبب نوعية الوظائف التي أنيطت بهم وتدني رواتبها،  فكان دورانهم  المستمر وبحثهم المتواصل عن الأفضل . وبقيت بعض الوظائف يشغلها عمال وافدون أقل من طموحهم الانساني كمواطنين عمانيين وان كانت وظائف شريفة ، فهم لم يستطيعوا العمل كعمال بناء او منظفي طرقات  أو.. أو.....الخ . فما المستقبل الوظيفي الذي ينتظر شاب في مقتبل العمر في وظيفة من هذا النوع ، وهل يمكن ان يغطي راتبه المتدني جدا في هذه الوظائف متطلبات حياته وأسرته ومستقبلهم . فالعامل الوافد في هذه الوظائف غير الماهرة يستطيع التوفير بسبب فرق العملة الكبير وبسبب رخص الحياة في بلده .

وعندما نطلع على بيانات التأمينات الاجتماعية ؛ نقرأ أن اكثر من 80% من العاملين في القطاع الخاص رواتبهم 300  ريال فأقل . اذن ربما بعضهم من حملة الدبلوم المتوسط ، ومعظمهم من حملة دبلوم الثانوية وأقل . وهذه قرينة ثانية تدل أن قرار تقليص مقاعد الدراسات الجامعية خلال السنوات الماضية كان له أسوأ الأثر في ازدياد وتفشي الباحثين عن عمل ، والعاملين برواتب متدنية ، فأضاف الان عبئا كبيرا على الدولة لتحسين رواتبهم بسبب غلاء المعيشة ، والدخول في صراع مع القطاع الخاص واحتكاراته . وزيادة فرص العمل لهم في القطاع الحكومي بسبب رواتبه الجيدة لهذه الفئة.

أما من هم أقل من الدبلوم الثانوي فقد أحاطت بهم بعض الدراسات في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، وكانت دراسات مبكرة جدا دقت ناقوس الخطر حول ارتفاع نسب المتسربين من المدارس قبل اكمال تعليمهم الثانوي . ووقتها لم تتخذ وزارة التربية والتعليم أي قرار صارم.  وكانت الحجة أنه لايمكن جعل التعليم الزاميا بسبب ان البعض يتسرب لاضطرارهم للعمل مبكرا لاعالة أسرهم . واستمرت نسب نزيف التسرب عالية جدا مع عدم اظهار الارقام الحقيقية . ولم تكن هناك محاولة لاجراء مزيد من الدراسات لمعرفة الاسباب ، ولوقف التسرب العالي وايجاد حلول ناجعة ، تتمثل مثلا في توسيع خدمات الاخصائيين الاجتماعيين وتزويدهم ببرامج عمل وطني للتقليل من نسب التسرب العالية  جدا اذا كان من الصعوبة جعل التعليم الزاميا . وماتزال نسب التسرب عالية في المدارس ، وماتزال سوق العمل في القطاع الخاص تستوعب أصحاب المؤهلات الجامعية بسهولة بسبب كثرة الوافدين العاملين في هذه الوظائف ، وذلك دونا عن مؤهلات دبلوم الثانوية ، والدبلوم المتوسط والذي لاندري لماذا تسميه الكليات الدبلوم العالي ، فهل تغيير المسميات الظاهري سيؤثر على مقاييس سوق العمل.