حكاوى صباحية

هل فعلا بدأنا نمارس ثقافة مرضية جديدة اسمها "لاأعرف"  ، ومالمقصود بهذه الثقافة المرضية، ولماذا نمارسها ؟ اذن لأحكي الحكاية من البداية .
قبل عامين  -أي قبل الربيع العربي-كانت هذه الثقافة منحصرة في نطاق ضيق وصغير جدا جدا من موظفي القطاع الحكومي والخاص . وكانت تعني ان هذا الموظف لايرغب بان يعمل بجد واجتهاد ، فهو توظف وأصبح يستلم راتبه فحقق هدفه  . وكلما سالته أداء عمل في نطاق اختصاصه قال لك  بتبرم وحركة مسرحية :لااعرف . ومعقبا :دربوني حتى أعرف !
كان الهدف ان لايطلب منه أداء عمل ما ماعدا اللمم . فقد كان وقته مجيرا لقراءة الصحف واجراء الاتصالات مع الاصدقاء والمعارف وتناول الشاي والافطار ، والانتظار دون ملل لوقت الانصراف . بينما بعضهم كان يطلب الاستئذان بين يوم وآخر للقيام باعماله الخاصة ، وغياب مرضي بين فترة واخرى مقدما ورقة من عيادة خاصة ، وغياب آخر بسبب وفاة أقرباء ، ومااكثر الاقرباء الذين كانوا يموتون له !
وللأسف اقولها وقلبي يتقطع ألما ؛ أصبحنا نشهد زيادة في هذه النوعية من الموظفين في القطاع الحكومي ؛ موظفين وموظفات ، بعضهم جدد لم يجف حبر تعيينه بعد . سمته الغالبة التأفف من العمل وأداء واجبات الوظيفة التي ارتضاها بمحض ارادته  ، والمبادرة بلفظة لااعرف كلما طالبه مسؤوله المباشر بعمل ما . والحجة "دربوني ؛ أليس التدريب على رأس العمل حقي القانوني ؟! يقولها بصوت عال وقاطع وشديد ، فيسكت مسؤوله مؤثرا الانسحاب بهدوء ، بينما العدوى تنتقل الى آخرين كل يوم .
التدريب على رأس العمل حق الموظف فعلا ، لكن عندما يصبح الأمر حجة كي لايقوم بعمله فهو الغريب والمستهجن . وليس كل أمر يستحق دورة تدريبة ، فهناك أعمال يستطيع تعلمها من الملاحظة والسؤال والتجربة ، وهناك أعمال يدربه زميله الأقدم أومسؤوله عليها . لكنه يرفض ويقول : لا هذا ليس بتدريب ، أريد تدريبا منظما لأسبوع أوشهر أو..وأريد تأهيلا لمدة زمنية وبتفرغ و..وأريد ..وأريد ....الخ
وعندما ينال التدريب بعد فترة يقول : لم أستفد فجرعة التدريب غير كافية ، وأحتاج لتدريب اضافي ولوقت اكبر ، وأحتاج دورة أخرى أكثر تقدما .أويقول : التدريب لم يكن فعالا ومفيدا وأريد تدريبا فعالا . أويكون بعضهم قد حضر التدريب ليومين وغاب ، ثم أحضر اجازة مرضية، وقال بصوت عال ماذنبي هل المرض بيدي !
ويكثر الكلام وتكثر الحجج فيؤثر مسؤوله الانسحاب بهدوء محتارا ماذا بفعل ، فالعمل لم ينجز بعد ولايدري متى سينجز!! وتهمل الاعمال وتموت ويبتلعها النسيان في الأدراج ولا من تقدم يذكر ، ويكبر مرض لاأعرف كل يوم .
فهل هو نقص في الشعور بالولاء والانتماء ، ولماذا هذا النقص ، وكيف يمكن التغلب عليه ، ولماذا لايشعر هؤلاء بالمسؤولية اتجاه أعمالهم واتجاه الوطن وتطوره وتقدمه وازدهاره ، واتجاه منظومة قيمه الدينية ، وكل قيمة انسانية جميلة ومهمة في حياتنا ؟