جريدة الرؤية
في أعماق شبه القارة الهنديَّة حيث مناطق سياحية رائعة؛ مثل: مُرتفعات مونار، وأوتي...وغيرها، يحلو التنقل والسفر برفقتنا الدليل: شاب في مقتبل العمر، انكبَّت أمه على مكينة الخياطة دهرا طويلا بعد وفاة أبيه حتى يتعلَّم؛ فيكون له عمل جيد يستطيع التكسب منه. مئات الملايين من الشباب أمثاله قد ملأهم اليأس والقنوط بسبب النظام الطبقي الاجتماعي الظالم الذي يعيشون؛ فأسوأ ما تفرَّدت به الهند من بين شعوب العالم كافة، هو ذلكم النظام الطبقي الجائر الذي داس الكرامة الإنسانية، وعفَّر جبينها في وَحْل استعباد الإنسان لأخيه الإنسان؛ فجعل أكثر من نصف الهند أناسا منبوذين، مهضومي الحقوق، ليس لهم وظيفة في الحياة إلا خدمة أسيادهم من سائر الطبقات.
... قبل الميلاد بثلاثة قرون، ازدهرتْ الديانة البرهمية الوضعية في الهند، وحينئذ وضعت شرائع، أصبحت فيما بعد مرجعاً دينياً ومدنياً للبلاد، وجمعت هذه الشرائع في كتاب وعرفت بـ"شرائع منو". وعلى أساسها تم تقسيم الناس إلى أربع طبقات اجتماعية:
- الطبقة الأولى (طبقة البراهمة): وهم الذين خلقوا من أشرف وأطهر عضو وهو الوجه، فلهم إذن حقوق يمتازون بها على غيرهم من سائر الطبقات، بل سائر المخلوقات، فجعل كل ما في العالم ملكاً لهم، فالبرهمي وإن سرق واقترف الذنوب كافة إنما يأكل من ماله، ويلبس من ماله، ويتصدق من ماله وغيره يعيش بفضله. وإن حضور برهمي في مجلس ما يطهِّر أهل المجلس جميعاً، كما يطهِّر سبعة أجداد لهم، وسبعة أبناء.
- الطبقة الثانية (طبقة الكشترية): وقد خلقت من ذراعي الإله، والذراعان هما رمز القوة والبأس؛ فلا عجب أن يكون منهم الملوك والمحاربون، وأن تكون أبرز واجباتهم حماية الشعب والدفاع عنه، وليس لهم حرفة أخرى.
- الطبقة الثالثة (طبقة الويش): الذين خلقهم براهما من فخذيه، وهؤلاء عليهم أن يقوموا بتحصيل أرزاقهم بكدهم وجهدهم، بما فرض عليهم من أعمال أهمها تربية الماشية، كما على الويش أن يكون عالماً بكيفية بذر البذور، وبصلاح الأرض وفسادها، وبالمقاييس والمكاييل.
- الطبقة الرابعة (طبقة الشودرا): وهي التي أوجدها برهما من قدميه، وهي طبقة حقيرة، ليس لها شغل في "شرائع منو" إلا الامتثال المطلق لأوامر أسيادها البراهمة وخدمتهم؛ لأن ذلك أفضل عمل يحمدون عليه. وإنْ علا الشودري فوق من هو أعلى منه بيده أو عصاه قطعت يده، وإن جلس الشودري في مجلس الفرق العالية يجب أن يكوى بالنار على وركه، ويجلى من البلاد، وللملك أن يأمر بقطع إليته إن شاء ذلك.
هذا.. وقد يحدث أن يعتدي رجل من الشودرا على عفاف زوجة برهمي، فإذا حدث هذا صودر كل ما يملكه، وأنزل به عقاب يجعله لا هو بالذكر ولا بالأنثى.
وأخيراً؛ بقي قسم من سكان الهند لم يدخلوا في هذا التقسيم، ولا أحد يدري ممَّ خلق هؤلاء، وهم المنبوذون، وهم سكان الهند الأصليون، ويسمون زنوج الهند، لقد حرمهم المجتمع الهندوسي حقوق الإنسان ونزل بهم إلى مستوى أدنى من مستوى الحيوان، ولم يسمح لهم بأن يعتنقوا الهندوسية. وهذه الفئات الخمسة تفصل بينها الحواجز والوهاد العميقة. ولم تقف طبقات الهندوس عند هذا الحد بل تشعبت إلى فروع تبلغ المائتين، ولا تزاوج بينهم، ولا تخالط على طعام أو شراب. جحيم صنعه الهندوسي، ويعيشه الناس إلى اليوم دون قدرة على الخروج منه.
دليلُنا لم يذكر من أية طبقة هو، لكن حديثه كان مليئا يأسا وقنوطا شديدا بالحياة وبالمستقبل الذي ينتظره، ومعاناة وتألما كبيرين أشعراني بأنه من الطبقات المنبوذة، شعرت بنعمة الإسلام العظيمة الذي قضى على الجحيم الطبقي أول ما نزل على قلب رسول الله -صلى الله عليه وآله- فلم يُطق عتاة مكة ذلك؛ فكيف يساويهم الإسلام بعمار المولى وبلال العبد، فعذبوا مواليهم وعبيدهم أشد تعذيب، فقتل تحت التعذيب العديد منهم. سخر منهم القرآن الكريم في العديد من الآيات الكريمة ووصمهم بالجهل، وتوعدهم النار الحامية.
بعد أربعة عشر قرنا لا تزال أمم بآلاف الملايين من البشر تعيش تحت نير الاستعباد البشري، ولم يصنع كل التطور العلمي اليوم شيئا لهم؟
قلت له: وهل أنت بحاجة لديانة تذلك وتجعلك عبدا طوال العمر، أخرج من نيرها وابحث عن الخلاص، وحدثته عن سماحة الإسلام ومبادئه بنوع من الزهو.
أطرق طويلا وهو يستمع إلى وأنا أحدِّثه عن إلغاء الإسلام الطبقية، وعن قيمه الراقية، ثم قال: لديَّ سؤال: لماذا المسلمون يذبحون بعضهم البعض بالسكاكين الطويلة في سورية؟ لماذا كل هذا العنف الموجود في الإسلام؟ لماذا كل هذا الإرهاب الإسلامي.
فاجأني سؤاله الذي حمل في طياته اتهاما للإسلام، ونفورا شديدا منه؛ فلولا الأدب لأعلن بصراحة هذا النفور الشديد بسبب مشاهد القتل العنيف الذي يمارسه المسلم! نعم الإعلام الموجه قام بدوره وجعل بينه وبين المسلمين ودينهم حاجزا كبيرا وسدًّا عظيما. وأتت كلماته البطيئة المستسلمة: أعتقد أنَّ النظام الطبقي الجائر عندنا وكل آثاره المدمرة أفضل من ذبح الأخوة لبعضهم البعض بالسكاكين الطويلة.. هل نجحتْ "داعش" وأخواتها والتكفيريون في مهمتم نجاحا عظيما؟
قالت لي زميلتي العمانية: سافرت إلى أوروبا، وكنت أرتدي الحجاب، فسألتني أوروبية وهي تنظر إلى حجابي بعدم راحة: هل أنت مسلمة؟ قلت لها لا لست مسلمة، وإنما أغطي رأسي لوجود سبب طبي لتغطية رأسي!
هل نجحت "داعش" وأخواتها والتكفيريون ومن وراءهم ومن يموِّلهم في تحقيق أهدافهم الخفية؟ أترك الإجابة للقارئ العزيز...!
0 تعليقات