نبض الدار 

tahiraallawati@gmail.com 

كان التعليم في الحضارة العربية الإسلامية يقوم على التدريس في الحلقات والحوزات العلمية  التي تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين وقدرات وامكانيات كل متعلم ، وكان دور المعلم ان يبذل العلم لطلابه كل على حدة ، فلكل طالب مسار دراسي وسرعة في الإنجاز . ولذا يتخرج الطالب بعد ان يكمل الدراسة حسب قدراته وامكانياته، وهذه المرونة في التعليم أتاحت افضل تعليم ، وما تزال الحوزات العلمية الدينية تتبع هذه الطريقة لتخريج الفقهاء وعلماء الدين في العديد من الدول العربية والإسلامية.
وهذا مااكتشفه العلم الحديث ، فقد اكتشف ان هذه انسب طريقة لبناء المناهج والتدريس  والتقييم  والتقويم وأفضلها وأكثرها توافقا مع المتعلمين وقدراتهم . ولم يعد للمدارس النظامية ذات المنهج الواحد والتقييم الواحد ذلك البريق ، فقد أصبحت متهمة بانها لاتراعي الفروق الفردية بين المتعلمين ، وانها سبب التسرب والانقطاع والهدر التعليمي الكبير ، فالبشر
ليسوا نسخا مكررة من بعضهم البعض.
وبدات دول كالولايات المتحدة تتجه منذ الثمانينيات الى التعليم الذي يراعي قدرات الطالب  وامكانياته من خلال تدريسه في منزله وبشكل منفرد ، وقد ازداد هذا النوع من الطلبة بشكل كبير جدا وما يزال.
كان الطب إبان الحضارة العربية الإسلامية يتجه الى التطبيب الذي يراعي الفرد وطبيعة جسده وتحمله الجسدي،  فكانت الامراض تشخص ، ويوصف الدواء لكل مريض على حدة ، وقد يكون المرض ظاهرا هو نفسه ،لكن تركيبة الدواء ونوعيته وجرعاته تتوقف على الاستعداد الجسدي لكل فرد . وأتى الطب الحديث واتجه إلى الدواء الواحد والجرعات الواحدة والنوعية الواحدة اذا كان المرض ظاهرا هو نفسه ، دون الأخذ في البال الطبيعة الجسدية للفرد ، وطبيعة أعراض المرض التي تختلف من شخص إلى آخر .
لكن مع انتشار تقنية التشخيص الطبي  بتطبيقات الهاتف الجوال ، وتطور نظم التشخيص، فإن الطب يعود رويدا رويدا الى تشخيص المرض ووصف الدواء المركب تركيبا خاصا لذلك الفرد ، وسنشهد قريبا اختفاء الحبوب والادوية  التي تنتج بملايين الأطنان ويتناولها جميع مرضى السكر مثلا بالجرعات والأسلوب نفسه سواء ناسبهم ذلك ام لم يناسبهم.
انها قوة العلم والتجربة التي تثبت أن التنظير القديم لم يكن سيئا،  بل بعض القديم الذي شاع كان الافضل للانسان.
وليس ببعيد ان نشهد التخلي عن المباني المدرسية المتشابهة والمكررة والمناهج المدرسية الواحدة،  وأن نشهد انتهاء عصر انتاج الأدوية بالاف الأطنان وتوزيعها على العالم واحتكار أسرارها وأسعارها.

تم نشره بجريدة عمان في 26 ديسمبر 2017