نبض الدار

tahiraallawati@gmail.com 

يتكلم الشعراء كثير عن العينين ، فيقول السياب  "عيناك غابتا نخيل ساعة السحر". 
بالفعل للعينين لغة شفافة تمس شغاف القلب  . كانت تجلس في مقابلي في استوديو البث المباشر  ، في أثناء تقديمي لحلقة اذاعية عن دمج الاطفال المعاقين ذهنيا في المدارس العادية . لم ترفع عينيها عني لحظة . كانت تتابع الحوار الذي انخرطت فيه مع الضيوف ، ترتدي مريولها المدرسي ، فهي في الصف الحادي عشر، جميلة أنيقة هادئة ،  لااستطيع أبدا ان اقول انها تشبه اطفال "الداون سيندروم" بملامحهم الخاصة، رغم أنها منهم ، فلربما الدمج التربوي كان له دور في تخفيف حدة هذه الملامح.  شعرت بنبض قلبها وروحها خلف عينيها الشفافتين المتوترتين ، طفلة ولدت باعاقة ذهنية .  وللاسف اطفال فئة الداون يولدون برقم مضاعف لمرة ونص عندنا عن بقية دول العالم ، ونحن بحاجة لأن نبحث عن السبب كي نعود للمعدلات الطبيعية!!
كانت العينان تلتقطان الحوار الدائر بشغف ، وتتابعان كلامي والضيوف بتركيز وفهم . هي تدري ان مصيرها معلق بقرار لوزارة التربية والتعليم ، قرار سيجعلها اول طفلة" داون" تحصل على دبلوم الثانوية العامة في سلطنة عمان ، اول طفلة ستفتح الباب بأن يدخل اطفال الداون الى الجامعة ،  كما هو حاصل في العديد من دول العالم. 
فكم هو هذا القرار مهم وخطير يامعالي وزيرة التربية والتعليم !! وكم يعطي لعائشة وامثالها من الأطفال والأسر الأمل الكبير لمستقبل تعليمي، وثقة في النفس عالية  ، كم هو مهم أن نقول اننا مع الحقوق التعليمية للاطفال المعاقين ذهنيا حتى يصلوا الى مقاعد الجامعة. 
في التسعينيات عندما كنت اعمل اخصائية اجتماعية في مدارس السلطنة ، كان مكان  اطفال الداون المدرسة الفكرية ، وبعد انتهائهم من منهاج الفكرية يجلسون في البيوت ، يأكلهم الفراغ والنسيان ، ولم يكن هناك أي نوع من الدمج لهم في المدارس العادية ، واتذكر احباط الاهالي والأسر من هذا الواقع، فكل جهدهم المبذول مع اطفالهم كان يذهب هباء . لكن عندما بدأ الدمج التربوي في اواسط العقد الماضي انفتح باب الامل لهؤلاء الاطفال وذويهم  كبيرا واسعا . واذا كانت عائشة قد وصلت للصف الحادي عشر في مدرسة دمج تربوي؛  فهو نجاح كبير لبرنامج الدمج في وزارة التربية والتعليم ، وتبقى الخطوة الاخيرة والمهمة لاستكمال هذا الدمج ، وتتمثل باعفاء هؤلاء الاطفال من مادة دراسية ما كي يستمروا ويحصلوا على دبلوم الثانوية العامة ، فعائشة بحاجة الى اعفاء في مادة الأحياء . ان هذا النوع من الاعفاء حاصل في كثير من الانظمة التربوية لدول العالم لهذا النوع من الاطفال، حتى يحقق الدمج التربوي مقاصده وأهدافه، ولترتاح عيني عائشة، وتعلوهما البسمة ، وعيني أمثالها ، فهم لم يختاروا اعاقتهم ، لكنهم اختاروا ان يعملوا جادين لتخطي الاعاقة والدخول الى عالم الاناس العاديين، فهلا نكافئهم !؟

نشر في جريدة عمان الثلاثاء 13 مارس 2019