أصابنا الربيع العربي برشاشه ايجابا وسلبا . وكان من أهم سلبياته أنه أصبح من السهل على أصحاب المعرفات المجهولة استغلال منتديات التواصل الاجتماعي وبعض الاعلام في تجييش الرأي العام وتوجيهه ليذهب الى حيث يرغب من لديه هدف ما . وقد التقط الحساسية الجديدة للرأي العام بعض الفاسدين الذين يخافون ان تنشر أوراقهم وتفتضح وثائقهم.  لذا يلقون في نار الرأي العام الذي يجيشونه بحطب أعدوه سلفا، حطب جله من الابرياء ، وهكذا يسلمون هم وفسادهم بعدما تتحول الأعين عنهم الى تلك القرابين  . فمايزال البعض لايراهن على الوطن وحقوق المواطنة والمساواة والعدالة والنزاهة والشفافية ، ويتصرفون بوحي مصالحهم الشخصية وفسادهم وهم يخشون الافتضاح ، فأعين الاعلام مفتوحة ترصد الواقع وسقفه مرتفع  .

ان الاعلام الشفاف والبعيد عن ان يصبح أداة لهؤلاء دون ان يدري هو الضمانة الحقيقية لوطن صحي . والسقف المرتفع للحرية لدى الاعلاميين يجب ان يرافقه الحذر ، وان لاينجر الاعلامي وراء رسالة كيدية أو اتصال من مجهول أو علاقة مع أحدهم ، فالاعلامي هو عين الوطن وضميره ، وهو الأمين عليه ، فعليه أن يتحلى بميزان للعدالة من ذهب ، فلا يتحرك الا بأدلة واقعية حقيقية ، وليس بقصص من وحي ألف ليلة وليلة يجيد سردها البعض ، مع بعض الاوراق الصفراء المبتورة الحقائق .

ان جريمة تجييش الرأي العام في قضايا وهمية أو ضد أبرياء ستكون من المصائب في وطننا . فالرأي العام عندما يتجيش لقضية وهمية أو كاذبة فانه سيفقد بوصلته ، ويصبح وبالا على نفسه وأبنائه والوطن . بينما الفاسدون يضحكون ويتفرجون عليه ويكتسبون المزيد من القوة للمزيد من الفساد .

ان المتابعين لمنتديات التواصل الاجتماعي والمعجبين بأصحاب المعرفات المجهولة من المهم ان يدركوا  ان كل اثارة بدون البحث عن أدلة ووثائق لهوغباء وسذاجة ، فلا الفقير سيتخلص من فقره بسيره وراء الادعاءات الباطلة ، ولا المحروم سيتخلص من حرمانة بتجريم الابرياء، بل سنصبح ترسا في آلة يحركها بعض الفاسدين لمصالحهم الشخصية. وسنتحول الى قطيع من الغنم تقودها معرفات مجهولة من هنا وهناك ، تسير به الى متاهات لانهاية لها أو بحار مالحة لاتروي عطشا وتزيدنا سوءا.

ان مايجري في سورية يعطينا مثالا حيا كيف ان الاعلام الموجه قد يذبح بلدانا ويحاول ازالتها من الخريطة.
 هي القوة الجديدة المدمرة للاعلام اذا تم توجيهه ليعمل مضللا للناس وسامريا ذو عجل ذهبي، جاعلا من الاوهام حقائق تراق له أنهار من الدماء البشرية . ان سورية مثل قاسي جدا نراه بأعيينا ، ونرجو لهم السلامة . لذا فان اعلامنا في الشأن المجتمعي المحلي يجب ان يكون مراقبا نفسه بشدة عادلا جدا قبل ان يطرح أي قضية ، متأكدا من سلامة الوثائق لديه ، جاعلا من نفسه محققا وقاضيا قبل ان يطرحها ، كي لايتحول الى أداة من حيث لايعلم في يد بعض الفاسدين الأذكياء

نشر في جريدة الوطن 21-7-2012