حكاوى صباحية
نتذكر
بالأمس في تسعينيات القرن العشرين ، عندما
فتحت الخدمة المدنية المجال للاحالة الاجبارية على القاعد المبكر لتمكين أفضل
للوحدات الحكومية . وقتها شهدنا مآسي كثيرة ؛ فقد استغل معظم المسؤولون الأمر
للتخلص ممن لايتفق معهم ومع أمزجة شللهم ، فأحيل الى التقاعد أناس كثيرون ، كل ذنبهم
انهم لايملكون سندا إلا أدائهم الجيد الذي
يقومون به بصمت ، آخرين أصحاب قيم لايستطيعون التنازل عنها أمام المصالح الشخصية
للاخرين . وبقي الذين هدفت الخدمة المدنية التخلص منهم ؛ فقد امتهنوا ربط أنفسهم
بعلاقات قوية مع هؤلاء المسؤولين الذين استطاعوا حمايتهم رغم كل أدائهم السئ
ومشاكلهم المختلفة. وعادة الذي يربط نفسه بهذه العلاقات هو الذي لايعمل ولايريد أن
يعمل ؛ فالذي يعمل يرى أن عمله الجيد يشفع له .وعادة بعض المسؤولين الكبار في هذه
الوحدات يعلمون ويسكتون ، ولايريدون دخول أوكار الثعابين وتنظيفها ؛ لسبب شخصي أو مصلحة شخصية ، أو خوفا من قلب
الطاولة عليهم ، أو مراعاة لبعض العلاقات التي تربطهم بمسؤولين كبار في أماكن أخرى
!!
واليوم يعيد التاريخ نفسه ؛ فالهدف تمكين الشباب ، وهو أمر مهم وضروري
ومشروع ، فقط السيناريو نفسه يتكرر ،
وتحدث تصفيات الحساب نفسها بسبب أجندات الفساد الاداري ، وهدفهم ليس تمكين الشباب
، الا واحد أواثنين لذر الرماد في العيون ، أما الباقي فالاطاحة برؤوس موظفين
أكفاء وذوي خبرات نادرة ومهمة في أماكن
مهمة من مفاصل العمل ، صرفت عليهم الدولة كثيرا جدا ، وتعبوا هم أنفسهم على أنفسهم
. ويستبعد معهم أصحاب القيم الذي يرفضون تقديم التنازلات لصاح الفساد الاداري .
موظفون أكفاء يوضعون على الرف ، وآخرون يضيق عليهم
الخناق حتى يغادروا مقهورين مذلولين ، ويملأ
الفراغ بمجموعات من الشلل المرتبطة بهم . ويملأ الفراغ الناشئ عن فقد الخبرات
الراقية باستيراد الخبراء الاجانب من كل لون وصنف ومزاج وطعم وبلد ، فالاموال
كثيرة ، وهناك عمولات تصرف من بعض بيوت الخبرة اللذين أتوا بها.
ثمن غالي ندفعه لخسارة هذه الكفاءات من جهة ،
وايقاف برامج مهمة وحساسة وضرورية لتطوير البلاد والرقي بها من جهة أخرى ، تحال
الى أيد غير مؤهلة فتضيع وتضمحل وتموت ، أو يتولاها أجانب يأخذون أضعاف وأضعاف
المال الذي كانت تأخذه الخبيرة العمانية .
ان مسؤولي هذه الوحدات اليوم في حاجة الى أن
يضعوا استراتيجيات وآليات لتمكين الشباب بدون خسارة الكفاءات التي بنتها الدولة أو
التفريط فيها ، أوايقاف برامج مهمة وضرورية لتطوير البلاد , وأن يتابعوا بأنفسهم
هذه العملية بكل دقة وأمانة ، ولاتحال الى بعض المقربين المتزلفين وشللهم . وأن
تشكل لجان ممثلة لكافة القطاعات في كل وحدة ، تقوم بالفرز والتطبيق حسب الآليات
والمحددات التي وضعت لتمكين الشباب ، واضعة
نصب عينيها عدم التفريط في الكفاءات أوايقاف برامج مهمة وحساسة لخدمة البلاد. وأن تتابع
الخدمة المدنية ذلك مع هيئة مكونة من مجلس الوزراء نفسه . فللأسف مايزال البعض
يحتاج الى رقابة عليا ضابطة ؛ لأنه فشل في إعلاء قيم المواطنة على مصالحه الشخصية
وغلبه شيطانه.
نشرت في محليات جريدة الوطن / السبت 4اكتوبر 2012
0 تعليقات