حكاوى صباحية


توجد هذه الشركة في مطرح . لها أسطول تريلات وشاحنات ، ويأتيها أسطول آخر من التريلات والشاحنات من أرجاء البلد الأربع . وتشكو مطرح  الجميلة من اعتداءاتها وتكسيراتها للارصفة والمرافق ، وماتسببه من اختناقات مرورية وحوادث وغيره من التجاوزات الكثيرة كل يوم وليلة .

أنشئت الشركة وقتها في مكان كتم على أنفاس مقبرة لأهالي مطرح في غفلة من الزمن ، فجزء من مقبرة سكان مطرح أصبح يمين مخزنها الضخم الممتد،  وجزء آخر أصبح  يسارها . ويطرح التساؤل نفسه : كيف أنشئ المخزن وسط المقبرتين ؛ فالعادة أن المقابر تحاذي بعضها البعض ، فهل أنشئ المخزن الكبير على أجساد الموتى ؟ الغريب ان الشركة  أنشئت في كنف الجبل ، لكن المخزن الكبير أقيم بعيدا عن الشركة في هذا المكان بين المقابر والذي يحمل العديد من علامات الاستفهام حول مكانه ، وهدف اقامته في هذا المكان بين المقابر والنوايا المستقبلية  للشركة ؟هذه قصة تثقل ضمير الشركة .

وهناك قصة أخرى أمر وأثقل . فالمقبرة الكبيرة وقف لأحد سكان مطرح منذ مئات السنين ، أوقفها لدفن السكان ، ففيها مقابر تعود الى أربعمائة عام وأكثر موجودة وشاهدة  ، ومايزال سكان مطرح يدفنون هنا الى اليوم . فالشركة وقتها ووسط ذهول سكان مطرح وحيرتهم قامت بشق طريق اسفلتي عريض وطويل بين ليلة وضحاها فوق قبور الاموات ورفاتهم الى مبناها ، فانقسمت المقبرة الرئيسية الى قطعتين بعدما كان قطعة واحدة . وأصبحت الشاحنات والتريلات تمر يوميا على الاموات ذهابا وايابا ،  وتكسر يمينا ويسارا ماتبقى من جدران المقبرة المشقوقة نصفين . وطرح السؤال نفسه : ان للشركة قدرة على أن تفتح لها طريقا من عدة اماكن غير هذا المكان  ، فلماذا فتحته وسط المقبرة ؟ وماالهدف من ذلك ؟

ثم أتت القصة الثالثة ؛ قالت الشركة لوكلاء المقبرة (الوقف) ، سأشق طريقا آخر الى الشركة من خلف المقبرة  في احراماتها وامتدادها الطبيعي ، وأرجو السماح بذلك حتى يتسنى اعادة الطريق المقام على الاموات اليكم . وافق مشرفو الوقف على مضض رغبة في استرجاع الطريق المقام على الاموات . وفعلا شق الطريق الخلفي واكتمل وأصبحت الشركة تستخدمه على مدار الساعة  ، فهو طريق كبير وواسع ، لكن دون أن تفي بوعدها ، ودون ان ترجع الطريق المقام على الاموات .  وثم بدات تستفيد من الامتدادات وراء الشارع الخلفي للمقبرة في توسعة مبانيها ، فحرمت المقبرة من الامتداد الطبيعي . وبذا أصبحت الشركة تخنق المقبرة من جميع الجهات ووسطها بطرقها وتريلاتها وشاحناتها ومبانيها . ولايحق  للاموات أن يكون لهم قبر غير مدنس ، ففي أوقات تشييع متوف ما يتوزع المشيعون والجنازة كقطيع شارد بينما تريلات وشاحنات الشركة تخترقهم وتكاد تدوس على أقدامهم.  وهناك حلقة أخيرة في هذا المسلسل الاستغلالي ، فقد بدأت الشركة بوضع اليد قليلا قليلا على أراضي المقبرة المتبقية والمحاصرة ، مغترة بشعورها بالقوة والسطوة .

ان كل هذا المسلسل الردئ واللامعقول تستطيع الشركة اذا احترمت الاحياء والاموات  وحقوقهم إيقافه ، فلديها أراض في صحار وأخرى مهولة في عبري ، وأخرى لربما في الدقم ، فميناء مطرح سيصبح سياحيا ، فلماذا الشركة تكتم على الاموات والاوقاف وحقوق الناس ، ولاتنتقل ؟ هل لأنها تملك أسهما حكومية ، فتظن أن الحكومة في جيبها ؟ وهذا ظنها الفاشل للأسف.

يامعالي وزير التجارة والصناعة أما آن الوقف أن توقف مسلسل الاعتداء من الشركة المعنية ، والذي بدأه أحدهم مستغلا سطوته وقوته في زمان بعيد ، وماتزال الشركة سائرة على خطاه. 
جريدة الوطن ، السبت20-4-2013