حكاوى صباحية
صدر مؤخرا نظام الترقيم الوطني للمخططات في محافظة مسقط، ونشر في الصحف المحلية، ومع الشكر لوزارة الإسكان لجهدها واللجنة العاملة في هذا الترقيم، فإن هناك ما يلفتنا في هذا المخطط، ويثير الاستغراب والتساؤل والغضب. فهذا النوع من المخططات الترقيمية يجب أن تراعي التاريخ والتراث والثقافة التاريخية التي ورثناها عن مسميات الأماكن ونتداولها يوميا. ففيما احتفظت اللجنة المعنية باسم "قرية مسقط" لمكانها التاريخي في ولجات وما جاورها وهو أمر محمود وجيد، فإنها ناقضت نفسها في مدينة مطرح. ففي التاريخ أن مطرح التاريخية التي يعرفها جميع العمانيين شفاهة وكتابة ومؤلفات منذ أن نشأت هذه المدينة البحرية، إنها نشأت على ذلك اللسان البحري الخارج من بحر عمان. يتوسطها سور اللواتية، وأمامه مرسى القوارب التي كان يركبها الناس إلى مسقط أو قريات أو غيرها من مناطق السلطنة البحرية القريبة، أو إلى البواخر التي كانت تقف في مكان قريب من قلعتي مسقط للسفر خارج السلطنة. ويقع يمين سور اللواتية سوق مطرح التاريخي الذي كان يعمل فيه معظم سكان سور اللواتية، ويقع يساره حلة الهناء وحارة الشمال، والجبل في الخلف حيث مقابر سكان مطرح منذ مئات ومئات السنين الغارقة في التاريخ، وعند هذا الجبل كان يقع سور يقطع شارع الميناء بالعرض رابطا بين الجبلين حماية لمطرح. وثم توسعت مطرح إلى روي والحمرية وغيرها.
ومطرح اسم ارتبط تاريخيا بطرح السفن، فكيف يزال عن هذه المنطقة اسمها الأصلي المناقض للتاريخ، ويطلق على حلة السد وغيرها، فأين طرحت السفن في حلة السد والمربعات الجديدة؟؟ لقد سلبت اللجنة مطرح التاريخ اسمها الحقيقي، وسميت حلة السد ومربعات أخرى جديدة باسم "قرية مطرح". ولا يزال الكثير يذكرون أنه قبل العام سبعين كانت بوابة العشور والضرائب عند الحمرية، وحيث كانت القوافل الآتية من الداخل تتوقف ليلا حتى تفتح لها البوابة صباحا لتمر إلى مطرح الأصلية، وسوق مطرح لمباشرة البيع والشراء. إن بوابة مطرح عند مدخل سوق مطرح، وقلعة مطرح أكبر دليل على مسمى مطرح الأصلي لهذه المنطقة. الغريب أن مطيرح تم الاحتفاظ لها باسمها الأصلي: "قرية مطيرح"، ومن المعروف أن مطيرح وهي تصغير لمطرح كانت ولا تزال ملاصقة لمطرح التاريخية على شاطئ البحر، والأشد غرابة أن تسمى مطرح التاريخية باسم "قرية السوق"؟؟ أي سوق؟ سوق الجن أم سوق الإنس؟ فعمان مليئة بالأسواق، أم سوق دولة مجاورة؟ إن "سوق مطرح" باسمه التاريخي هذا سوق معروف حتى للطفل العماني في أقصى بقعة في السلطنة. فلماذا تم تغيير اسم مطرح القديمة التاريخ العماني والثقافة الغارقة في العمق الجغرافي إلى اسم "قرية السوق" البارد النكرة غير المعروف لأحد؟ إن الناس تشتري تاريخا بالمليارات، ونحن نغير تاريخنا بسهو وعدم إدراك لنتائج هذا التغيير على مستقبل الأيام وقادم الأجيال وتاريخ عمان القديم والحديث. إننا يجب أن نتعلم درسا من جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بحفاظه على المسميات التاريخية لمناطق السلطنة ما عدا الشاذ والممجوج والمكروه والذي لا علاقة له بالتاريخ. إن اللجنة المعنية مطالبة بإعادة مسمى "قرية مطرح" إلى المكان التاريخي والثقافي لمطرح التاريخية، للحفاظ على هذا الاسم في مكانه الأصلي، ولمنطقية ارتباطه ببقية المقومات التاريخية والثقافية المحيطة، وكذلك إعادة اسم "سوق مطرح" لسوقها.
وكذلك تم تغيير مربع سور اللواتية إلى مربع "السور"، ومرة أخرى نتساءل: هل هو سور الجن أم سور الإنس أم سور الصين أم سور دولة مجاورة؟ إن "سور اللواتية" اسم تاريخي لهذا السور عرفه الناس منذ القدم، فهو المكان الأصلي للواتية مطرح وبيوتهم وحيازاتهم، التي ما زالوا يملكونها ويعيشون فيها، وقد حمى سور اللواتية سكانه من هجمات البرتغاليين، وغيرهم (...) الذين أحرقوا جزءا منه كما ورد في مؤلف ابن رزيق "سيرة السادة البوسعيديين".
وتستخدم بلدية مسقط مسمى "سور اللواتية"، وكذلك شرطة عمان السلطانية، والخرائط الرسمية للسلطنة على جوجل وغيرها، فسور اللواتية مسمى تاريخي له دلالة على طبيعة حياة المجتمعات العمانية في التاريخ العماني البحري وغير البحري، ففي عمان كان الجميع يعيش في أسوار، بدءا من مسقط مرورا بساحل الباطنة، والداخلية والشرقية، وهناك مئات الأسوار تدل عليها لافتات البلديات في أنحاء السلطنة، ولا تزال تحمل أسماء القبائل التي عاشت فيها، منها: سور البلوش، وسور الشيادي، وقصبية الحواسنة، ورويلة الزعاب، وديل آل بريك، وتطول القائمة .....إلخ. هذه هي انتربولوجيا عمان وثقافتها وتاريخها، والأسوار جزء من هذا التاريخ المجيد، وجزء من كفاح سكانها للحفاظ على عمان أبية حرة، ترفض الضيم، عصية على الغزو الخارجي الذي تعرضت له عمان في تاريخها الطويل. إننا حاليا نطلق أسماء الأشخاص والقبائل على البنايات الصغيرة التي لا تتعدى عدة طوابق، ونسلب التاريخ مسمياته الأصلية المعروفة كي يتشتت ويضيع ويندرس. إن اللجنة المعنية في نظامها الجديد أبقت على مسمى "سور آل حديد" في السيب، وأبقت على مسمى "اليوسف" لحلة "اليوسف" وغيره كثير. فلماذا تسلب مربع سور اللواتية اسمه وتسميه باسم "السور" فقط؟ وهل مفردة اللواتية قبيحة وشاذة ليتم إلغاؤها وحذفها؟ إننا ندعو اللجنة بوزارة الإسكان أن تعيد اسم مربع "سور اللواتية" إلى المخطط. وأن تعيد تسمية السوق بـ"سوق مطرح" وأن تعيد تسمية "قرية مطرح" لمطرح الأصلية على شاطئ البحر، صيانة لحقوق هذه المدينة التاريخية وسكانها، أسوة ببقية المناطق والبلدات في السلطنة. بل إن مطرح بمسمياتها التاريخية تحمل وزارة الإسكان مسؤولية مضاعفة حفاظا وصيانة لموروثها التاريخي، وحفاظا لتاريخها المجيد كمدينة عمانية تجارية جابت سفنها دول العالم، ومدينة سطرت تاريخها وتاريخ البلد الحر الأبي، فحاربت بدمها البرتغاليين والأعداء من الخارج.
طاهرة اللواتية
tahiraallawati@gmail.com
جريدة الوطن (الأحد 17 شوال 1434هـ 25 من أغسطس 2013م
صدر مؤخرا نظام الترقيم الوطني للمخططات في محافظة مسقط، ونشر في الصحف المحلية، ومع الشكر لوزارة الإسكان لجهدها واللجنة العاملة في هذا الترقيم، فإن هناك ما يلفتنا في هذا المخطط، ويثير الاستغراب والتساؤل والغضب. فهذا النوع من المخططات الترقيمية يجب أن تراعي التاريخ والتراث والثقافة التاريخية التي ورثناها عن مسميات الأماكن ونتداولها يوميا. ففيما احتفظت اللجنة المعنية باسم "قرية مسقط" لمكانها التاريخي في ولجات وما جاورها وهو أمر محمود وجيد، فإنها ناقضت نفسها في مدينة مطرح. ففي التاريخ أن مطرح التاريخية التي يعرفها جميع العمانيين شفاهة وكتابة ومؤلفات منذ أن نشأت هذه المدينة البحرية، إنها نشأت على ذلك اللسان البحري الخارج من بحر عمان. يتوسطها سور اللواتية، وأمامه مرسى القوارب التي كان يركبها الناس إلى مسقط أو قريات أو غيرها من مناطق السلطنة البحرية القريبة، أو إلى البواخر التي كانت تقف في مكان قريب من قلعتي مسقط للسفر خارج السلطنة. ويقع يمين سور اللواتية سوق مطرح التاريخي الذي كان يعمل فيه معظم سكان سور اللواتية، ويقع يساره حلة الهناء وحارة الشمال، والجبل في الخلف حيث مقابر سكان مطرح منذ مئات ومئات السنين الغارقة في التاريخ، وعند هذا الجبل كان يقع سور يقطع شارع الميناء بالعرض رابطا بين الجبلين حماية لمطرح. وثم توسعت مطرح إلى روي والحمرية وغيرها.
ومطرح اسم ارتبط تاريخيا بطرح السفن، فكيف يزال عن هذه المنطقة اسمها الأصلي المناقض للتاريخ، ويطلق على حلة السد وغيرها، فأين طرحت السفن في حلة السد والمربعات الجديدة؟؟ لقد سلبت اللجنة مطرح التاريخ اسمها الحقيقي، وسميت حلة السد ومربعات أخرى جديدة باسم "قرية مطرح". ولا يزال الكثير يذكرون أنه قبل العام سبعين كانت بوابة العشور والضرائب عند الحمرية، وحيث كانت القوافل الآتية من الداخل تتوقف ليلا حتى تفتح لها البوابة صباحا لتمر إلى مطرح الأصلية، وسوق مطرح لمباشرة البيع والشراء. إن بوابة مطرح عند مدخل سوق مطرح، وقلعة مطرح أكبر دليل على مسمى مطرح الأصلي لهذه المنطقة. الغريب أن مطيرح تم الاحتفاظ لها باسمها الأصلي: "قرية مطيرح"، ومن المعروف أن مطيرح وهي تصغير لمطرح كانت ولا تزال ملاصقة لمطرح التاريخية على شاطئ البحر، والأشد غرابة أن تسمى مطرح التاريخية باسم "قرية السوق"؟؟ أي سوق؟ سوق الجن أم سوق الإنس؟ فعمان مليئة بالأسواق، أم سوق دولة مجاورة؟ إن "سوق مطرح" باسمه التاريخي هذا سوق معروف حتى للطفل العماني في أقصى بقعة في السلطنة. فلماذا تم تغيير اسم مطرح القديمة التاريخ العماني والثقافة الغارقة في العمق الجغرافي إلى اسم "قرية السوق" البارد النكرة غير المعروف لأحد؟ إن الناس تشتري تاريخا بالمليارات، ونحن نغير تاريخنا بسهو وعدم إدراك لنتائج هذا التغيير على مستقبل الأيام وقادم الأجيال وتاريخ عمان القديم والحديث. إننا يجب أن نتعلم درسا من جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بحفاظه على المسميات التاريخية لمناطق السلطنة ما عدا الشاذ والممجوج والمكروه والذي لا علاقة له بالتاريخ. إن اللجنة المعنية مطالبة بإعادة مسمى "قرية مطرح" إلى المكان التاريخي والثقافي لمطرح التاريخية، للحفاظ على هذا الاسم في مكانه الأصلي، ولمنطقية ارتباطه ببقية المقومات التاريخية والثقافية المحيطة، وكذلك إعادة اسم "سوق مطرح" لسوقها.
وكذلك تم تغيير مربع سور اللواتية إلى مربع "السور"، ومرة أخرى نتساءل: هل هو سور الجن أم سور الإنس أم سور الصين أم سور دولة مجاورة؟ إن "سور اللواتية" اسم تاريخي لهذا السور عرفه الناس منذ القدم، فهو المكان الأصلي للواتية مطرح وبيوتهم وحيازاتهم، التي ما زالوا يملكونها ويعيشون فيها، وقد حمى سور اللواتية سكانه من هجمات البرتغاليين، وغيرهم (...) الذين أحرقوا جزءا منه كما ورد في مؤلف ابن رزيق "سيرة السادة البوسعيديين".
وتستخدم بلدية مسقط مسمى "سور اللواتية"، وكذلك شرطة عمان السلطانية، والخرائط الرسمية للسلطنة على جوجل وغيرها، فسور اللواتية مسمى تاريخي له دلالة على طبيعة حياة المجتمعات العمانية في التاريخ العماني البحري وغير البحري، ففي عمان كان الجميع يعيش في أسوار، بدءا من مسقط مرورا بساحل الباطنة، والداخلية والشرقية، وهناك مئات الأسوار تدل عليها لافتات البلديات في أنحاء السلطنة، ولا تزال تحمل أسماء القبائل التي عاشت فيها، منها: سور البلوش، وسور الشيادي، وقصبية الحواسنة، ورويلة الزعاب، وديل آل بريك، وتطول القائمة .....إلخ. هذه هي انتربولوجيا عمان وثقافتها وتاريخها، والأسوار جزء من هذا التاريخ المجيد، وجزء من كفاح سكانها للحفاظ على عمان أبية حرة، ترفض الضيم، عصية على الغزو الخارجي الذي تعرضت له عمان في تاريخها الطويل. إننا حاليا نطلق أسماء الأشخاص والقبائل على البنايات الصغيرة التي لا تتعدى عدة طوابق، ونسلب التاريخ مسمياته الأصلية المعروفة كي يتشتت ويضيع ويندرس. إن اللجنة المعنية في نظامها الجديد أبقت على مسمى "سور آل حديد" في السيب، وأبقت على مسمى "اليوسف" لحلة "اليوسف" وغيره كثير. فلماذا تسلب مربع سور اللواتية اسمه وتسميه باسم "السور" فقط؟ وهل مفردة اللواتية قبيحة وشاذة ليتم إلغاؤها وحذفها؟ إننا ندعو اللجنة بوزارة الإسكان أن تعيد اسم مربع "سور اللواتية" إلى المخطط. وأن تعيد تسمية السوق بـ"سوق مطرح" وأن تعيد تسمية "قرية مطرح" لمطرح الأصلية على شاطئ البحر، صيانة لحقوق هذه المدينة التاريخية وسكانها، أسوة ببقية المناطق والبلدات في السلطنة. بل إن مطرح بمسمياتها التاريخية تحمل وزارة الإسكان مسؤولية مضاعفة حفاظا وصيانة لموروثها التاريخي، وحفاظا لتاريخها المجيد كمدينة عمانية تجارية جابت سفنها دول العالم، ومدينة سطرت تاريخها وتاريخ البلد الحر الأبي، فحاربت بدمها البرتغاليين والأعداء من الخارج.
طاهرة اللواتية
tahiraallawati@gmail.com
جريدة الوطن (الأحد 17 شوال 1434هـ 25 من أغسطس 2013م
0 تعليقات