حكاوى صباحية
tahiraallawati@gmail.com
سمية الفتاة السمراء من مكة ، ذات الثمانية عشر ربيعا ،
الطالبة في الثالث ثانوي ، أتت الحملة لتدفع عربة احدى الحاجات الكبيرات في
العمر،ولتحصل على بعض الريالات تعينها على توفير متطلبات المعيشة والدراسة . كانت سمية
متواجدة معنا في كل المناسك والمشاعر ، تدفع عربة تلك المرأة العجوز ، تؤدي عملها
بتفان واخلاص كبيرين . كنت أراها منكمشة على نفسها ، تقف في ركن قصي مع العاملات
الفلبينيات والاندونسيات . تراقب المشهد أمامها بصمت ، وترى البذخ في الطعام
والشراب الذي أصبحنا نعيشه ونطالب به في الحج . ترى عالمين منفصلين ؛ عالم الغنى
والاقتدار والشعور بالقوة وغرورها ، وعام الفقر والضعف والانسحاق الانساني والبشري
الذي هي جزء أصيل منه .
كانت عيناها المترددتان الخجولتان المطرقتان الى البعيد
دوما تعكسان الفقر والشعور بالانسحاق
النفسي الشديد والضعف الانساني في أشد حالاته .
كنت كلما أمر أمامها أشعر بوخز الضمير ، سمية أتت لتخدم ، ولاتستطيع أداء الحج رغم
انها ابنة مكة ومنى بسبب هذه المهمة التي ستكسب منها بعض الريالات الضرورية جدا لحياتها.
سمية بثوبها العادي وعباءتها السوداء تؤدي
مع العجوز- التي تجللت ببياض ثياب الاحرام -كل المناسك وتمر على كل المشاعر . كنت
أشعر أن الله تعالى كتب لسمية الحج وتقبله منها بأحسن القبول قبل أن يتقبل حجي وحج
من معي في الحملة ؛ ليست سمية فقط وانما
أيضا حج الفلبينية التي تقدم لنا الطعام والشراب ، وحج الاندونيسية التي تنظف
المكان وتغسل ملابسنا، وتتمنيان أن تذهبا معنا الى الطواف والرجم.
سمية حكايتها لاتنتهي ،لقد ولدت في مكة المكرمة وكذلك
ابويها واجدادها ، ويسافرون بالهوية وليس بالجواز السعودي، فلا يحق لهم الحصول على
الجواز السعودي . صحيح اجدادها الأوائل
نزحوا الى مكة من افريقيا ؛ الا انها لاتعرف غير مكة وشعابها ، مسقط رأسها ومرتع
طفولتها وصباها . سمية تتكلم اللهجة الحجازية الدافئة ، سألتها عن خطة تحويل مكة
الى منطقة فندقية ، والغاء كل الحارات
والبيوت فيها بالتدريج . فقد تم دفع مبلغ لوالدها ليترك منزله الى مكان آخر غير
شعاب مكة ، ولديه مهلة ستة أشهر لمغادرة المنزل . المبلغ غير كاف لتدبير منزل جديد
في مكان آخر بعيد جدا جدا عن مكة ؛ حبيبة وتوأم الروح . لكن لابد من ذلك قبل ان
تقطع عنهم الكهرباء والمياه .
سمية الروح الشابة الشفافة والجميلة ، الانسانة
المنسحقة نفسيا وبشريا بسبب لونها وفقرها الشديد ، وفقدان بيتها الدافئ بجوار
الكعبة المشرفة في أحضان مكة والذي لم تعرف غيره. ترى هل ستستطيع اكمال دراستها
بظروفها الصعبة والمعقدة هذه ؟ والخروج من قاع المجتمع الى سطحه ؟ ام أن القاع
سيضطرها الى تقديم الكثير من التنازلات وسيبتلعها ؟ لقد شاهدنا هذه التنازلات في
الطريق من مكة الى منى؛ أطفال بعمر الورود مبتوره أطرافهم بعناية يفترشون الارض
ويتكففون الناس ، وفتيات ونساء يحملن أطفالا رضعا ويسعين بثياب رثة وراءك بذل شديد
لتضع دراهم في أكفهن الممدودة بلا كلل أو ملل .
الجريدة حجبت هذا المقال عن النشر ؟؟!
0 تعليقات