حكاوى صباحية



كالعادة وقفت للتزود بالوقود من احدى المحطات في مسقط ، الوحيد الذي استطاع ان يبيعني  علب المحارم وغيره من معطرات السيارة . سمته وطريقة حديثة والمسكنة التي تظهر عليه وهو يرجوك الشراء ، تجعلك تشتري وان لم تكن مقتنعا أو محتاجا .

سألته مااسمك ؟ قال بكثير من التردد والخوف والاضطراب : لماذا تسأليني عن اسمك . نظرت الى الاسم المعلق على صدر قميصه ، نطقت : كوثر . سأل باضطراب شديد وانكسار : هل هو اسم سئ ؟ أجبت وأنا أخفي دهشتي -الاسم من أسماء الاناث عندنا في عمان - :لا أبدا بالعكس هو اسم نهر في الجنة . سكت لحظة بينما هو يرجع لي باقي المبلغ ، ثم قال بتردد شديد : هل هو من أسماء الأنثى في بلدكم ؟ فكرت سريعا ؛ يبدو أن كثيرا من الأخوة قالوا له ذلك ، وهو متألم ومجروح لذلك  ، أجبت : لا أبدا ، هو اسم يصلح للاناث والذكور معا. كررت عليه بصدق وحرارة : اسم جميل جدا ياكوثر . ابتسم بارتياح شديد بينما انطلقت بعربتي.  

انه وافد من دولة آسيوية ، عشرات الألوف من أمثاله في بلدي . أتوا ليعملوا في أعمال يستنكف عنها أبناء بلدي . هم يقبلون ويريدون ، والعقد شريعة المتعاقدين بيننا وبينهم . يعيشون على الكفاف ، واحيانا كثيرة في ظروف صعبة وقاسية بسبب وقوعهم في أيد كافلة لاترحم ، لكنهم متحملون وصابرون ، وفي نهاية الشهر يرسلون الى ذويهم حوالة ب50 أو 80 ريال . هل يشكلون خطرا على بلادي ؟ بالمطلق لا . أغلبهم مع نهاية العامين يذهبون ويأتي غيرهم .

جلست بجانبي وهي تقول بامتعاض : لماذا تمقتين الوافدين الاسيويين؟ كل مقالاتك تزخر بالكراهية والتحشيد ضدهم . من سيقوم بالاعمال التي يقومون بها اذا رحلوا ؟!

أجبت : عزيزتي ومن قال اني أكره هؤلاء المستضعفين والمساكين من أمثال كوثر أو سميرة التي تعمل في منزلي،الارملة الشابة التي مات زوجها في مرض عضال وخلف لها طفلين تريد ان تعلمهما وتخرجهما الى الحياة وهما يملكان سلاحا ضد غدر الزمان، انهم مساكين أسراء بين أيدينا . انهم الذين يذكرهم الله تعالى في جل سور القرآن الكريم ، ويختبر ايماننا بالعطاء لهم واشباع حاجاتهم .

 عزيزتي ؛ انني أكره مصاصي الدماء من أمثال كمار وبابو وغيره ، الذين كونوا عصابات للاستيلاء على خيرات بلادي ، الذين يملكون شبكات الاحتكار والتجارة المستترة ، الذين يفتحون العيادات ، ولايقدمون الا الوهم بعد مص مئات الريالات في فحوصات ماانزل الله بها من سلطان ،ولايعالجون الا نزلات البرد . الذين يفتحون الهايبرات الضخمة لكنهم يدمرون صناعة بلادي قبل تجارتها، فيستوردون أغذية وغيرها من وجهات مجهولة ويضعون عليها علامتهم التجارية .  الذين يزورون تواريخ الصلاحية ؛ فيدمرون أطفال بلادي بالحلويات الفاسدة،  ويزيدون حوادث الطرق بقطع الغيار المزورة. الذين يحاولون افساد أبناء بلادي من الموظفين الرسميين وغيرهم بالرشاوي الهزيلة مرة والكبيرة مرات، الذين يجدون من بعض ابناء بلادي من يدافع عنهم في قضايا الأخطاء الطبية الكثيرة، والفساد والتزوير بثمن بخس ، الذين يحاولون تحصين أنفسهم بالوساطات الكثيرة.

هناك فرق كبير بين كوثر وكمار ، فرق السماء من الأرض . ان الأول نعمة لكن الثاني نقمة وسيبقى نقمة مهما أخفينا رؤوسنا في الرمال ، ومهما أدعينا أن الأمور بخير ، وحللنا الاحصاءات بشكل خاطئ ، وشددنا الضغط بالاجراءات المختلفة على كوثر وسميرة وأمثالهما المساكين .

tahiraallawati@gmail.com