نبض الدار
قال المرشد الاسباني ونحن وقوفا في بهو السفراء او بهو قمارش في قصر الحمراء في غرناطة : تعد هذه القاعة مهمة لنا الاسبانيين لان فيها سلم الملك العربي مفاتيح غرناطة الى فرناندو وايزابيلا في الثاني من يناير العام 1492م . ثم نظر نحونا نحن المجموعة العربية وقال : وتعد هذه القاعة مهمة للعرب والمسلمين،  فمع تسليم مفاتيح المدينة ينتهي عصر الاسلام والعرب في الاندلس ... لم استطع التركيز على بقية حديثه فقد أغرورقت عيناي بالدموع ، وغامتا فأشحت بعيدا.
يزعمون ان حضارات الهنود الحمر التي أنهاها الاوروبيون في امريكا الشمالية كان بسبب ان هذه الحضارات اصبحت خارج الزمان والتاريخ . فصرنا لا نحفظ من الهنود الحمر الا صورهم وهم يتصارخون ببدائية وبملابس غريبة في افلام هوليود ، وكأنهم خارجون من العصور الحجرية!!
لكن كيف انتهى العرب والاسلام واللغة العربية في اسبانيا ، وانتهت الثقافة والقومية الموركسية( المسلمون الاسبان) ،بحيث لم يعد لهم وجود فيها بعد خمسة قرون ؛وكأنهم لم يكونوا حضارة عريقة وزاهرة .فقط بقت الابنية والحارات والبيوت والجوامع التي حولت الى كاتدرائيات وكنائس،  وبقيت القصور والقلاع ، وبقي كل علم وفن ينتمي الى ذلك العصر العربي الاسلامي الذي امتد لثمانية قرون في أسبانيا . 
في روايته (ظلال شجرة الرمان) يؤرخ المفكر البريطاني طارق علي ان سقوط غرناطة كان فتحا لأبواب الحجيم على المنتمين إليها من المسلمين والاستيلاء على أملاكهم وتقسيمها بين الكنيسة الكاثوليكية والعرش ،وتحريم ممارسة الشعائر الإسلامية أو التحدث بالعربية وتحويل غرناطة إلى محرقة خطرة.
فقد حدد المنتصر هدفه ،وهو محو ذاكرة المهزوم .ففي المشهد الافتتاحي للرواية في نهاية عام 1499 يحرق نحو مليوني مخطوط "السجل العامر لثمانية قرون" جمعت من مكتبات 12 قصر و195 مكتبة عامة في غرناطة بأمر من الأسقف خمينيث دي سيسنيروس الناطق بلسان الكنيسة والتاج معا وقتها  .كان دي سيسنيروس يرى أنه لا يمكن القضاء على الوثنيين (مسلمي اسبانيا ) إلا بمحو ثقافتهم محوا تاما. كان يشعر بالسرور ، فهو يدرك قوة الأفكار أكثر من أي شخص آخر ، واعتبر ليلة الحريق نصره الحقيقي،  وفي الوقت نفسه استثنى 300 مخطوط اسلامي عربي تتعلق بالطب والفلك والرياضيات من الحريق كي يستفيد قومه منها.
لم تنفع بنود المعاهدة التي عقدها آخر ملوك غرناطة أبو عبد الله محمد الصغير مع الصليبيين , والتي نصت على تأمين حوالي 6 ملايين ونصف المليون مسلم موريسكي
( المسلمون الأسبان )على دينهم وأموالهم وأبنائهم وحرياتهم من خلال ماأورده في نص معاهدته مع قادتهم : «أنّ للمُرُشْ - أي الموريسكيين- أن يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم. وأن يخضع المرش لمحاكمة قضاتهم حسب أحكام قانونهم وليس عليهم ارتداء علامات تشير لكونهم مرش. وليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد على ما كانوا يدفعونه. ولهم أن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ماعدا ذخائر البارود. ويحترم كل مسيحي يصبح مرشا ، ولا يعامل كمرتد. وأن الملكين لن يعينا عاملا إلا من كان يحترم المرش، ويعاملهم بحب وإن أخلّ العامل في شيء فإنه يغير على الفور ويعاقب ،وللمرش حق التصرف في تربيتهم وتربية أبنائهم." 
ديست بنود المعاهدة بالاقدام والنعال ، وبدأت حملات التنصير الاجباري والتهجير القسري ومحاكم التفتيش وابادة وقتل الموركسيين واللغة العربية التي كانوا يتحدثون بها ودمرت كل مظاهر الثقافة العربية الاسلامية في اسبانيا. 
لقد تم الاحتفاظ بكل العلوم العربية الاسلامية وفنوهم ،وهجر وأبيد الموركسي المسلم ودينه وثقافته ولغته العربية.ثم زور التاريخ الاندلسي تزويرا كبيرا من خلال تدوينهم للتاريخ  . وحتى المرشدين الذين رافقونا في مدن قرطبة واشبيلية وغرناطة كانوا يشوهون التاريخ حسبما درس لهم . 
لقد كان من  أهم ملامح المسرح الأندلسي قبيل سقوط غرناطة التشرذم والتطاحن بين ملوك الطوائف. ولم يقف الوضع إلى حد الإنقسام بل تعداه إلى إستعانة كل طائفة بالقوات الصليبية ضد الأخرى بغرض توسيع رقعتها. كما كان للإنحلال الخلقي الكبير أثره في تخضيد شوكة الدول والممالك الإسلامية، فقد كانت المجالس الأميرية لا تخلو من المجون و الفساد ومغازلة الغلمان . ولم يكن حال العامة بأحسن من الإنغماس في الملذات والفساد. 
نحن اليوم في عالمنا العربي نعاني ذلك كله، وأضف عليه اختراع الغرب القاعدة وداعش والنصرة والكاطع وغيرهم، وصناعتهم، وإدارتهم الحروب المذهبية بأموال عربية، وتأجيجها وتمزيقنا من الداخل بها.
ان الاندلس دليل أكيد على اننا يمكن ان ننتهي دينا وقومية ولغة وثقافة وجنسا ، وان يتم تزوير تاريخنا بعد افنائنا كما حصل مع مسلمي الاندلس اومع حضارات الهنود الحمر في امريكا الشمالية .
تم نشر المقال في جريدة عمان الاثنين 27اكتوبر 3014م