نبض الدار

وفي السفر عشر فوائد ، وفي اسبانيا ؛ ومن خلال مدن قرطبة واشبيلية وغرناطة وطليطلة وملقا وماربيا وسرقسطة وقسرين وبلنسية ولشبونة وغيرها التي انشأها العرب الفاتحون؛ نكتشف كيف خرجت مجتمعات اوروبية من ظلام القرون الوسطى الى نور الحضارة والعلم عبر التطور الذي ادخله العرب الى  اسبانيا ، فقد بنوا هذه المدن بهندسة رائعة على ضفاف الانهار وعلى مرتفع من الارض ، لاغراض الامن والسلامة . تحيطها الاسوار العالية وابراج الحماية، واوصلوا اليها المياه بنظام ري فريد لم تعرفه اسبانيا من قبل . ونقلوا زراعة نخيل التمر والزيتون والخروشوف والعديد من الفواكه والخضروات التي لم يكن يعرفها الاسبان في ذلك الوقت .
في كل مدينة كان المسجد الجامع مركزها ، والقلعة او قصر الحاكم قريب منها ، وفيها الساحات الواسعة التي كان الاهالي يتجمعون فيها ، وفيها مرابط الخيل العتاق التي تأتي من أنحاء العالم ، ومنها ساحة الطرف الاغر التي بنت يريطانيا مثلها في لندن . اما الطرقات والمماشي فكان لها نظام رصف مايزال يستخدم الى اليوم لمتانته وقوة تحمله للظروف الجوية المختلفة، والذي يعمر مئات السنين.
جمال الجوامع وزخرفتها ينبئ عن فنون رفيعة مثل الارابيسك والموهير وغيره ، والآيات القرانية المكتوبة بخطوط فريدة الى جانب استخدام الموزاييك والقيشاني المزخرف في التزيين ، والحديد المشغول ، والسقوف الخشبية المزخرفة من شجر الأرز الذي لاتؤثر فيه الاحوال الجوية من حرارة وبرودة ورطوبة. والاعمدة الرخامية المشغولة بالحفر، واعمدة اخرى تنتهي الى السقف كشلالات ماء ،والاقواس المفردة والمزدوجة ، وهي جوامع حولوها كلها الى كنائس بعد طرد العرب . العديد من فنون البناء العربية الاسلامية، وقد انتقلت كلها الى مدن اوروبا الغربية كلندن وبرلين وباريس وغيرها، وماتزال الابنية الجميلة في هذه المدن تستوقفنا ولاندري انها هندسة عربية اندلسية  الا عندما نرى الاصل الذي اخذت منه. اكبر مصدر للدخل في اسبانيا اليوم ؛ السياحة الى هذه المدن العربية الفريدة  ، وثاني اكبر مصدر للدخل هو الزيتون وزيته الذي ادخله العرب . اما بقية القصة فمعروفة ، وقرأناها في كتب التاريخ والوثائق وكتب المستشرقين المنصفين، فالعلوم كالطب والرياضيات والعلوم والكيمياء والفلك والجغرافيا، والفنون والآداب انتقلت كلها من الاندلس العربية الى اوروبا ، فشهد الغرب نهضة علمية أوصلتنا الى عالم اليوم الذي نعيشه .
لاضير ، فالعلم يجب ان يبذل لجميع الأمم ، وصدقة العلم بذله ، والله تعالى لايرضى ان يحبس الانسان علمه . 
لكن الغرب عندما بدأ نهضته هذه شهد العالم العربي والاسلامي سعار الاستعمار الغربي البرتغالي والهولندي والبريطاني والفرنسي والايطالي. ونهب الثروات وخيرات بلاد العرب والمسلمين ، والى اليوم مايزال هذا النهب مستمرا بشكل من الاشكال ، فقد خرج الاستعمار من الباب ورجع من الشباك كما يقال .
خرجوا من البلاد العربية وتركوا فيها ميراث التخلف والفساد والفقر ، ولاتزال الكثير من الدول العربية تعاني الى اليوم من هذا الميراث الثقيل والمرير .اما علومهم فنشتريها اليوم باغلى الاثمان التي يحددونها هم .
ويبقى السؤال المطروح ؛ كيف اعطيناهم النور واعطونا الظلام . هل الشعوب تختلف ، وهل البشر مختلفون ، وكيف حصل هذا الاختلاف؟ ولماذا كل هذا الاختلاف بيننا وبينهم؟  وماسبب ذلك ؟  للحق سؤال لااعرف جوابه!!

تم نشر المقال في جريدة عمان الأحد19 اكتوبر 2014م