https://alroya.om/post/164958/العيش-أم-التعايش-مع-داعش


في جلسة  تشعب فيها الحديث عما يجري من تكفير وقتل همجي على الهوية المذهبية لدى داعش واخواتها ، قال: ألا ترين ان مفردة تعايش غريبة علينا ،لكننا صرنا نستخدمها وكأنها واقع الحال بيننا في عمان، وصرنا نمتدح بها الوحدة والتآلف بين المواطنين ، ثم اكمل مستطردا : هي مفردة ملتبسة وخطيرة جدا ، فالتعايش عملية قسرية بين أفرقاء لايحملون الود لبعضهم ولكنهم يتعايشون كي لاتندلع الصراعات والحروب بينهم. فهل نحن في عمان على مدى تاريخنا الطويل المتسم بالسلم والتفاهم والتداخل المذهبي الطبيعي والعفوي،  والتزاوج ، كنا متعايشين؟
شعرت بخطورة لعبة الاعلام الخارجي عندما يمرر علينا مفردات ملغمة وخطيرة ،ويجعلنا نشعر أنها طبيعية وعادية، فنأخذها على علاتها وبحسن نية شديدة،  ونستخدمها في حديثنا اليومي دون ان ننتبه الى مقاصدها الخبيثة والخطيرة. فما أسهل ان يحطم التعايش في مجتمع ما؟ وما أسهل تدمير وحدة وطنية كل فريق بداخله  مختلف وعدو للآخر  لكنه متعايش معه رغما!!
ورد في المعجم عن التعايش: "هو اتفاق ضمني بين مجموعتين أو حزبين أو دولتين على عدم اللجوء إلى الحرب لتسوية الخلاف بينهما .  فالطرفان المتعايشان يظلان حذرين وفي أغلب الأحيان معاديين لبعضهما البعض لكنهما يقبلان أن اختلاف أيديولوجيتهما ونظاميهما الاجتماعيين لا يسبب اندلاع الحرب بينهما . لقد استعملت كلمة التعايش بكثرة خلال الحرب الباردة لوصف الحال بين العدوين اللدودين  الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حتى لا يحرقا العالم بأكمله في محرقة نووية ." 
وفي اقتباس آخر يورد المعجم: " العيش: معناه الحياة.  اما المعايشة فمصدرها عايش . ومعايشة الناس ضرورة اجتماعية: وهي العيش معهم والاندماج في حياتهم ."
فالاقرب من المفردات الثلاث الى الحالة العمانية الفريدة من الوحدة والتآخي، والحياة التلقائية بين اصحاب المذاهب هو العيش ، وليس التعايش ،فبيننا نحن العمانيون عيش طبيعي ومعايشة تاريخية حميمة ،ولذا لم تشهد عمان طوال تاريخها خلافات اوحروب مذهبية. 
ولكن ماذا عن باقي الامة العربية والاسلامية ، وهل كانوا في حالة تعايش قسري أم عيش ومعايشة يومية بينهم ؟
ومن أين انحدر اليهم وباء التكفير والقتل على الهوية المذهبية؟
عندما نسمع العراقيين او السوريين او اليمنيين من اشقائنا عن الحالة الداخلية بينهم قبل هذا الوباء الذي ضرب بلادهم نرى بانهم يتحدثون عن العيش والتآلف والمخالطة والوحدة كما نحن في عمان . 
اذا أين كان الخلل ؟
انها منظومة متكاملة بناها العقل الامبريالي الاستعماري بكامل قدراته وطاقاته الذهنية والفعلية،  فقد انتهت عصور الاحتلال عبر البحار،  ولم تعد هناك طاقة ولا أموال للدول الامبريالية بان تعيد الاحتلال باهض الأثمان والتكاليف . لكنها لم تتخل عن احلام النفوذ على مصادر الطاقة والاموال. 
فاذا كان علم الاقتصاد كله أقيم على نظرية آدم سميث ، وهي زيادة عدد السكان وقلة الموارد ، فهي نظرية تدعو الى تقليل عدد السكان كي يتواءم مع الموارد النادرة . فان النتائج الكارثية لذلك ان تتم التضحية بعدد من البشر كي يعيش آخرون . فالوصول إلى الثروة أصبح الغاية الأساسية للاقتصاد. وقد نادى سميث بالفصل بين الاقتصاد والاخلاق، فاذا كان الاقتصاد العالمي قائما على الميكافلية،  فلا شك ان النتائج ستكون كارثية أيضا . والقارة الافريقية خير دليل وشاهد على انتهاء عصر الاحتلال المباشر ،وبدء الحروب الأهلية والابادات الجماعية وفقا لمنهج فرق تسد، حتى يستفيد الغرب. ونستخلص حقيقة مهمة، ونحن نقرأ عن الابادات الجماعية التي حصلت في راوندا على مسمع من العالم ومشهد في التسعينيات ومابعده. فقد كانت قصة بسيطة جدا تتكرر اليوم معنا . قصة الاحتلال البلجيكي الذي بدأ بالتفرقة الطائفية بين شعب راوندا المكون من قوميتي التوتسي والهوته. فاصبح يصدر بطاقات شخصية رسمية يضع فيها اسم طائفة الشخص رغم العيش التاريخي المشترك والتزاوج الطويل بين الطائفتين .ثم بدأ باعطاء الاقلية وهم التوتسي مراكز وظيفية افضل، قاصدا الى اثارة نقمة الهوتة .ومع مغادرته للبلد كانت بذرة التفرقة والنقمة قد بدأت تؤتي ثمارها . واكملت بقية الدول الغربية ذات المصالح القصة، فقد تم تكوين مليشيات من الفريقين ودججت بالسلاح والسواطير !؟ ثم شهدنا النتيجة، مذبحة طالت اكثر من مليون توتسي بالقتل والتقطيع بالسواطير استمر اكثر من ثلاثة أشهر. واستمر مسلسل القتل الى اليوم في الداخل ومع الجيران،  وحصاده اليوم 10 مليون قتيل، وفقر ومرض وتخلف وديكتاتوربة وفساد وعودة الى الوراء مئات السنين.
هل هذا السيناريو الامبريالي بعيد عن واقع بلاد العرب ؟ ان مسلسل الذبح والقتل والتهجير بدأ في بلادنا تحت شعار سني وشيعي ، والضحايا ملايين منذ ان بدأ مع صناعة القاعدة كما اعترفت هيلاري كلينتون، وصناعة داعش كما صرح وسلي كلارك. ويبقى السؤال هل سيتوقف سيل دماء السنة والشيعة ؟ يبدو انه لن يتوقف اذا كنا غارقين في التفكير بغرائز الحيوانات المفترسة كما حصل مع التوتسي والهوتة في راوندا ، حيث يتلاعب بنا اعلام فاسد صنع لهذه الغاية،  يرضع حليب الامبريالية ويعمل وفقا لنظرية فرق تسد بكل طاقاته. يعاونهم بعض من  علماء الدين الذين يتاجرون بالدين كي يحققوا مصالحهم الشخصية .
لنعود الى الاصوات الراشدة من علماء اسلام الفريقين .فالازهر الشريف بكل مكانته العلمية والدينية والتاريخية لايكفر الشيعة ويجيز التعبد بهذا المذهب . اما اهم عالمين في المذهب الشيعي الامامي، وهما السيد السيستاني والسيد الخامنئي فيصدحان بعدم جواز تكفير السنة بتاتا،  وجواز التعبد بالمذاهب السنية والاباضية وغيرها ،والصلاة خلف الامام السني وغيره من أئمة المذاهب،  وتحريم سب الصحابة وأمهات المؤمنين تحريما مغلظا يوجب الإثم  لمن يخالف ذلك. وفتاوى الازهر وهؤلاء العلماء منشورة يمكن الحصول عليها عبر عملية جوجلة بسيطة في هواتفنا،  او عبر البحث في اليوتيوب. 
يجب ان ندرك أنها لعبة السياسة بامتياز ، لعبة المصالح الامبريالية، فقد تم الانتهاء من تدمير معظم القارة الافريقية ونهب ثراوتها،  والآن الدور علينا نحن وثراوتنا العربية والاسلامية . اما المدارس والمذاهب الاسلامية فكانت أمرا طبيعيا وعيشا مشتركا في كل بلد عربي واسلامي ، وكانت إضافة وليس نقيصة أو مرضا،  لأنها أعطت وتعطي المسلم وسعا في الاسلام بسبب المرونة التي توفرها بتعدد الفتاوى في العبادات والمعاملات. وكان أجدادنا في كل بلد عربي ومسلم يعيشون عيشا طبيعيا تلقائيا بين هذه المدارس ولم يكونوا متعايشين .