لم ينشر
نبض الدار

إن زيارة إلى بعض الوزارات الخدمية تشعرك انك لم تعد أمام وزارة خدمية ، وإنما شركات ذات شأن خاص ، او صالات العمليات الجراحية في المستشفيات. فإذا كنت تريد أن تقضي معاملة في دائرة ما فعليك ان تتعرض للاستجواب مع جهاز الأمن في الاستقبال  ،وتؤخذ بطاقتك الشخصية ثم تزود ببطاقة تفتح باب دائرة محددة فقط. وإذا كانت معاملتك في مكتب الوكيل أو الوزير فستتعرض إلى استجواب أشد ، ولن تكون محظوظا بمقابلة احدهما.
كل بطاقة تقود إلى دائرة محددة ولاتفتح أبواب الدوائر الأخرى،  وعليك أن تعود إلى طاولة الأمن ليتم استجوابك مرة أخرى وتعطى بطاقة الدائرة التي تستكمل فيها بقية الاجراءات. وهكذا كلما امتدت إجراءات معاملتك من دائرة إلى أخرى، فعليك في كل مرة النزول إلى الأمن لتأخذ بطاقة جديدة بعد أن يسترجعوا منك البطاقة السابقة. تشعر بالدوار والألم، فالدقائق والساعات تتسرب منك وانت نازل وصاعد لاستحصال بطاقات الدخول لأجل معاملة صغيرة. وتشعر بأنك متهم ولست مراجع . وعندما تتساءل عن هذا النظام الأمني المعقد في وزارة خدمية ،يتطوع أحدهم للإجابة عليك بأن بعض المراجعين أطلقوا النار على موظفين !!!! وتفتح فاهك دهشة وغضبا،  فما سبب بث الشائعات المغرضة التي تسئ إلينا والى الوطن . 
في ظل هذا النظام الأمني لايستطيع مدير دائرة أن يصل إلى مدير دائرة أخرى إلا بأن يستحصل بطاقة دخول. ولايستطيع موظف دائرة أن يصل إلى موظف دائرة أخرى إلا ببطاقة، بحجة أن لايضيع الموظفون أوقاتهم بالزيارات،  لذا أغلب الموظفون يتجمعون في القاعة الأرضية لقضاء مصالح العمل مع بعض،ومقابلة المراجعين ، وشرب الشاي. ولاتستغرب اذا وصلت لدائرة ما وثم قيل لك انتظر ساعة الى ان يحضر الموظف المعني، فهو يتواجد في الاستقبال ، الذي تحول الى مكان دائم لأغلب موظفي الوزارة ! فانتفى الهدف الذي أنشئ له هذا النظام، وهو ان يوفر الموظف وقتا لأداء اعماله،  فبدل ان يذهب المراجعون للموظف وهو في مكتبه،  أصبح هو ينزل ويصعد لكل مراجع. 
إن دوائر خدمات المراجعين أنشئت لغرض نبيل ومهم ، وهو أن يلقى كل مراجع أذنا صاغية، وأن تسهل الوصول إلى المسؤولين الكبار ، وتبحث في شأن تطوير لوائح وانظمة الوزارات للمزيد من المرونة وتحسين الخدمات المقدمة للناس. وهذا ماترجمته بعض الوزارات ،فأصبح الوصول فيها إلى المسؤولين ميسرا . لكن في البعض أصبحت هذه الدائرة مركز المراجعة والخدمة الوحيد المتاح لعشرات الآلاف من المراجعين لاستكمال إجراءاتهم،  فأصبح للدائرة دور آخر مختلف تماما ، ولم تعد تستطيع استيعاب كل الخدمات المنوطة بوزارة خدمية كبيرة ، فيضطر المراجعون للقيام بذلك الدوران الغريب،ويضطر الموظفون لتضييع أوقاتهم بالنزول والصعود . ترى هل الهدف تسهيل الخدمة أم تعقيدها ، وماهدف إقفال الأبواب  في وزارات ٩٩%من دوائرها خدمية بالدرجة الأولى؟