نبض الدار
جريدة عمان نشر في 16 مايو 2017

كلما مررنا بمنحى اقتصادي صعب ، ارتفعت اصوات من الداخل والخارج بخصخصة المشاريع الحكومية ، ومنها المشاريع الخدمية. وقد قامت بعض المؤسسات الدولية بتسويق فكرة الخصخصة بقوة ، وأتت بآلاف الحجج لضرورته ، ورسمت صورا ملونة وطوباوية لاتتحقق الا في الخيال.
الجميل ان الحكومة الى الان لم تتخذ قرار الخصخصة الا فيما ندر ، وفي المشاريع التي تفيد فيها الخصخصة ، وآثرت التأني وخاصة في هذا المنعطف الاقتصادي الذي نمر به ، والذي لاشك سيخف ضغطه مع تصدير غاز حقل خزان ، وانتعاش الخزينة العامة للدولة بمدخوله .
اذا كان مؤيدو الخصخصة يذكرون بعض الايجابيات ، فان ازمة انخفاض اسعار النفط أثبتت ان القطاع الخاص هو الاكثر تخلصا من العمالة الوطنية في هذه الازمات ، فهدفه الأساس ليس تشغيل المواطن ، وانما الحفاظ على هامش ربح يريده ، وهكذا شهدنا تسريح العمالة الوطنية بالمجاميع في دولنا الخليجية مما ضاعف من تأثيرات الأزمة ، فاصبحت بيوت وأسر على خط الفقر ، ناهيك عن زيادة الباحثين عن العمل بسبب تقلص فرص التشغيل في المؤسسات الخاصة. 
ان الراسمال الخاص بطبيعته لايمكن ان يكون مسؤولا كما هو الرأسمال الحكومي الذي يلتزم بالتنمية البشرية كأساس اولي ، واهداف وطنية اخرى وليس الربحية .
كما أن من أضرار الخصخصة ان الاعتماد على القطاع الخاص يؤدي‮ ‬إلى زيادة السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الوطني،‮ ‬إضافة إلى ان  استثمار الشركات متعددة الجنسيات للأموال داخل البلاد‮ ‬يؤدي‮ ‬عادة إلى استنزاف قدراتها الاقتصادية‮ وثرواتها الطبيعية  ‬، ويؤدي الى تقلص هيمنة الدولة على مقدراتها وزيادة التدخل الخارجي في القرارات الوطنية. 
ان بلدا كالولايات المتحدة يعاني من تدخل الشركات الكبرى في قراراته الحكومية بسبب الخصخصة. اما في مصر ، فان  تعويم الجنيه والخصخصة فتحا الباب لدخول مستثمرين أجانب وشركات عابرة للقارات لشراء اصول اقتصادية كبيرة ومهمة للدولة كالبنوك الوطنية والمؤسسات الاقتصادية الحكومية بأسعار متدنية جدا .
وعادة المستثمر الخارجي يشتري برخيص ويبيع الخدمة او السلعة بما يحقق له اعلى ربح دون مراعاة ضعيفي الدخل ومحدوديه ، وهذا يزيد الفقير فقرا ، ويلغي بالتدريج على الطبقات المتوسطة التي هي ضمان الاستقرار والتنمية في أي مجتمع انساني.