نبض الدار 

tahiraallawati@gmail.com 

تعودنا على سماع تعليق الامهات والجدات على من لاتسرح شعرها بأن "كشتها" كالغافة ، دفعا للطفلة كي تبادر الى تسريح شعرها . في رحلتي ذهابا وايابا في الباص المدرسي أثناء طفولتي علقت بذهني صورة الماعز ، وهي تمد جذوعها وأعناقها برشاقة عاليا لالتقاط قرون وأوراق الغاف وأكلها بشهية كبيرة .كانت الصورة تتبدى عندما كنا نمر ببعض المناطق التي يكثر فيها الغاف، فكنت أتأملها بتلهف كبير حتى تختفي عن ناظري. وقد اقتنعت بالفوضوية الجميلة للغافة وأحببتها عندما اكتشفت انها تسمح لنسمات الهواء في الصيف الحار بالمرور خلالها الى من يستروح بظلها مهما زادت الحرارة ، بعكس بقية الاشجار من بيئات أخرى . واكتشفت ان الغاف من بنات الصحراء ، واجمل هبة من الله تعالى لنا ، واجمل صديق لبيئتنا ، فقرونها غذاء للحيوان ، فهي مرتفعة البروتين ، لذا يقبل على أكلها بشراهة كبيرة. وللانسان اذا طحنت وصنع منها خبزا يأكله ، او يصنع وصفات طعام من اوراقها وقرونها الحلوة الطعم .وهي مصدات قوية للغبار والريح الصحراوية اذا رغبنا بحماية المزروعات والزراعة وبيوتنا، وتمتد جذورها عموديا وعميقا جدا في التربة ، فلا تحتاج الى كثير ماء ، وتكتفي بالقليل جدا منه. وتمتلك قدرة فائقة على التأقلم المثالي مع البيئة الصحراوية القاحلة، وتساعد في التخلص من العديد من الحشرات والآفات. كما ان نبتاتها المكشوفةَ تتطور عند انكشافها للهواء فتعمل على تخصيب التربة عن طريق إطلاق النيتروجين ،ولها قدرة عظيمة على مُقاومة الجفاف لفترات طويلة والملوحة العالية، ممايبقيها دائمة الخضرة على مدار العام، وهي مميزات تضعها في مرتبة عالية في نظام البيئة الصحراوية. وتعيش الغاف مائة عام خضراء يانعة ، وتساعد على تحسين التربة والمناخ الصحراوي.
يخلق الله تعالى مايناسب كل بيئة ، وما يساعد الناس والحيوان والنبات على التأقلم والتناسب الأفضل. لكننا لم نحب الغاف كثيرا رعم خضرتها طوال العام ، وقمنا بالتخلص منها في اماكن كثيرة ،وخاصة معظم الطرق والشوراع ، واستوردنا عوضا عنها اشجارا لاتناسب بيئتنا ولاتحميها كما يفعل الغاف ، وتحتاج من العناية الفائقة مالا يحتاجه الغاف. 
كلما مررت بالغاف أتخيل فتاة جميلة قد أحنت رأسها، فتدلى شعرها الكثيف على اطراف وجهها تغسله في الغدير ، فأغوت العصافير والطيور والنسمات العليلة كي تداعب خصلاتها الخضراء اليانعة.

نشرت في جريدة عمان الثلاثاء 25 ديسمبر 2018م